برج الساعة في نابلس " برج الحميدية "

برج الساعة في نابلس

"برج الحميدية"

سلسلة الوثائق العثمانية (1)

هذه الوثيقة الأرشيفية محفوظة في سجلات الأرشيف العثماني تحت تصنيف:[1] (BOA,y.MTV,206/127).

هذه الوثيقة هي واحدة من ملايين الوثائق التي تتصل بفلسطين، التي يحتويها الأرشيف العثماني على شكل وثائق منفردة، وسجلات رسمية، ودفاتر توثيق، ومراسلات سلطانية، ونحوها.

يظهر في هذه الوثيقة النادرة المخططُ الهندسي التفصيلي لبرج الساعة، المعروف باسم برج الحميدية، الذي تم إنشاؤه في مدينة نابلس في الشمال الفلسطيني المحتل.

تم الانتهاء من عمل المخطط من قِبَل الجهات الهندسية المعنية عام ١٩٠٠م بأمر من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني؛ ولذلك يطلق عليه اسم: برج الحميدية.

أقسام الوثيقة:

تم تقسيم الوثيقة إلى قسمين رئيسين:

قسم يبين التصميم الهندسيَّ للبرج المزمع إنشاؤه في مدينة نابلس الفلسطينية، وهو مخطط واجهة من واجهات المبنى الأربعة، ويحتوي على التفصيلات والأطوال والأشكال الخاصة بالأعمدة، والداخل، والنوافذ والشرفات، والكتابات التجميلية والتوثيقية، ونحوها.

القسم الثاني: فيه توضيح تفصيلي لمقطع أفقي للبرج المزمع إنشاؤه، ويبين خريطة الإنشاء والتصاميم الهندسية للبرج من الداخل، ومطالع الأدراج فيه، وتوزيع الشرفات، ومواقع الساعات العملاقة.

وفي زاوية الوثيقة تم تثبيت المقاييس الخاصة بالمقاسات التقريبية والنسبية للبرج، وهي إشارة واضحة إلى مدى التقدُّم العِلمي في مجال التصميم الهندسي والإنشائي وعلومه التخصصية، حتى فيما يتصل بالمواصفات والمقاييس والعرض النسبي للأطوال والمسافات.

وفي الزاوية السفلى للوثيقة أيضًا يمكن استجلاء البصمة السلطانية التي يتم وضعها عادة للإشارة إلى الفترة التي تم فيها إنشاء الأبنية، وهي تذكر أن هذا البرج قد أقيم في مدينة نابلس الفلسطينية في عهد الخليفة السلطان عبدالحميد خان الثاني.

البُعد الهندسي للبرج المرسوم:

يستوعب المخطط الهندسي الموجود شكل البرج العام، وحجم القاعدة الخاصة به، وهناك عناية خاصة بالتصميم المعماري للبرج شكلاً وقوة وارتفاعًا.

فمن حيث القوة، يعتمد ثقل البناء على قاعدة صُلبة تحمل أسس البرج القوية، وهذه القاعدة تنطلق نحو الأعلى، ويصغُر حجمها تدريجيًّا مع الانتهاء من كل طابق من طوابق البرج.

الأمر اللافت هنا هو الجهد المبذول بعناية في وضع أدق التفاصيل على شكل البرج الخارجي؛ فالنوافذ والشرفات، والأعمدة التجميلية، وشكل النوافذ الخارجي، وشكل الحجارة وطريقة صفها في البرج، والرسومات التزيينية، ونقوش الحجارة، والسياج والمدخل، والخاتم العثماني وشعار الإمبراطورية العثمانية، والكتابات المنقوشة على المدخل الرئيس - كلها إشارات واضحة على حجم الجهد المبذول، والرغبة الحقيقية من السلطان عبدالحميد خان بترك بصمة واضحة له في فلسطين من خلال هذا البرج المميز، الذي يحمل اسمه[2].

أما من حيث الارتفاع، فقد حرَص المهندسون على أن يحظى هذا البرج بارتفاع واضح في تلك الحِقبة التي كانت المباني فيها تتكون من طابق أو اثنين على الأكثر؛ ليكون واضحًا من كل أجزاء مدينة نابلس، وحتى يستطيع أهلها متابعة الوقت على ساعاته بسبب ارتفاعه الكبير، ووجود الساعات على الطابق الأعلى منه.

وفي أعلى المخطط التفصيلي، تستطيع أن ترى البيرق العثماني المزدان بالهلال والنجمة، الذي يعبر عن إسلامية الدولة وهويتها، مرفرفًا وشاهدًا على الحِقبة الزمنية التي تم فيها تصميم وإنشاء هذا المبنى المميز.

حِقبة السلطان عبدالحميد الثاني:

حرَص السلطان العثماني عبدالحميد الثاني على توسيع دائرة الخدمات المقدَّمة للمواطنين في الإمبراطورية العثمانية برمتها، وليس للمواطنين في الأناضول فحسب، فكان عهده مميزًا بالإنجازات الكبرى والإستراتيجية على مستوى التخطيط والتنفيذ.

ففي عهده تم تنوير دمشق بالغاز في وقت كانت فيه ثلاثة أرباع أوروبا غارقة في الظلام، وقد كان ذلك في عام ١٩٠٣م، وهو العام الذي تم فيه تشغيل القطار السريع أو (الترامواي) في دمشق أيضًا.

وفي عهده تم الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على القسم المهم من خط الحجاز الحديدي، الذي كان يتم مده بين الزرقاء وعمان؛ لاستكمال مشروع خط الحجاز الحديدي الذي كان أكبر المشروعات الإستراتيجية في الإمبراطورية العثمانية عام ١٩٠٢/١٩٠٣م، إضافة إلى آلاف المشاريع التطويرية على مستوى الخدمات والبنية التحتية والتحصينات والقدرات العسكرية والمجالات المعرفية التي كان عهدُه حافلاً بها.

أهمية هذا المشروع ودلالاته:

حمل هذا المشروع العديد من السمات الفارقة، والدلالات الجغرافية والزمنية والمعنوية.

فمن حيث الجغرافيا، ركَّز السلطان على تأسيس هذا المشروع على أرض فلسطين؛ إيمانًا منه بأهمية تعزيز الوجود الإسلامي والفلسطيني فيها وإعمارها، وتحقيق النهضة الحضارية فيها، يعني ميلاد مدنيات وتكتلات بشرية يمكن لها أن تكون سدًّا أمام أطماع الراغبين في احتلال فلسطين أو تقسيمها.

وفيه دلالة واضحة على اهتمام الإمبراطورية العثمانية بكل أجزاء الإمبراطورية، وسعيها لتحقيق النهضة والرفعة المتوازنة على امتداد الجغرافيا التي تحكمها الإمبراطورية العثمانية على مساحة ثلاث قارات، وفي سجلات الأرشيف العثماني ما يثبت ذلك من البلقان إلى الأناضول إلى آسيا إلى إفريقيا.

وبالنظر إلى عنصر الزمن، فإن البرج فيه دلالة على احترام الوقت، وإشاعة معرفته، والالتزام به كقيمة معرفية حضارية سامية، وفيه إشارة أيضًا إلى سبق الإمبراطورية العثمانية إلى إنشاء كل المباني والمنشآت التي من شأنها أن تبيِّن عظمةَ الإمبراطورية وقدرتها على استنهاض طاقاتها البشرية لتحقيق المنفعة العامة.

ففي العام ١٩٠٠م إذا سألنا أنفسنا عن معنى إقامة برج عملاق يحمل ساعات عملاقة بإنشاء هندسي مميَّز ولافت على مستوى العالم، فإننا سنصل إلى نتيجة مُفادها: أن هذا المشروع كان عنوانًا للحفاظ على فلسطين، وتحشيد الناس فيها، من خلال جعلها قِبلةً للإبداع والتميز في محتوياتها الهندسية والحضارية، إضافة إلى قيمتها الدينية والتاريخية [3].

أهم المصادر والمراجع في الدراسة:

• Gökkubbe Altında Birlikte Yaşamak / Living Together Under The Same Sky / العيش معًا تحت سماء واحدة / T.C. - Başbakanlık - Devlet Arşivleri Genel Müdürlüğü / İlk Baskı.

• Osmanlı Belgelerinde Filistin (Palestine in Ottoman Documents / T.C. Republic of Turkey - general directorate of state archives / Yayın nu: 102 / İstanbul / طبعة عام 2009 / صفحة. 167-213.

• فلسطين التاريخ المصور، د. طارق محمد السويدان، مجموعة المطابع العالمية الكويتية، الطبعة الرابعة، ص 203.